من هم منكر ونكير؟
منكر ونكير هما اسمان يشتهران في الثقافة الإسلامية بوصفهما ملكين مكلفين من الله سبحانه وتعالى بامتحان الميت بعد موته في قبره، حيث يتقدمان إليه ليفحصا إيمانه وعمله الصالح. هذه الشخصيات الخفية التي تملك في طياتها معاني عظيمة تحظى بمكانة كبيرة في الفكر الإسلامي، ولها صدى واسع في الحديث النبوي الشريف. يرتبطان ارتباطًا وثيقًا بعالم البرزخ، وهو العالم الذي يكون فيه الإنسان بين الحياة الدنيا والآخرة.
تتعدد الأقوال في أسمائهما وفي وظيفتهما، فقد ذُكرا في العديد من الأحاديث النبوية، والكتب الدينية والتفسيرية التي تناولت موضوع الحياة بعد الموت والآخرة. يشكل منكر ونكير جزءًا من المعتقدات التي تؤمن بها الأمة الإسلامية فيما يتعلق بالحياة بعد الموت والاختبار الذي يواجهه المسلم عند موته.
منكر ونكير في القرآن الكريم
لا يُذكر اسما “منكر” و”نكير” بشكل صريح في القرآن الكريم، ولكن الإشارة إلى وقوع الفتن والامتحانات التي يواجهها الإنسان بعد موته، وردت في العديد من الآيات. يُعتقد أن القرآن الكريم أشار بشكل غير مباشر إلى الفكرة التي تجسدها هذه الشخصيات، من خلال الحديث عن الامتحانات التي يمر بها الإنسان في قبره.
على الرغم من غياب ذكر اسم “منكر” و”نكير” في القرآن، إلا أن السنة النبوية الشريفة جاءت لتوضيح العديد من التفاصيل المتعلقة بهما، وكيفية عملهما وواجبهما في القبر.
منكر ونكير في السنة النبوية
ذُكر منكر ونكير في العديد من الأحاديث النبوية، حيث ورد أنهما يزوران الميت في قبره ويعرضان عليه أسئلة تُختبر من خلالها أصول إيمانه. ومن أبرز هذه الأحاديث ما جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الترمذي وأبو داود، حيث قال:
«إنّ العبدَ إذا وضعَ في قبره وتولى عنه أصحابه إنه يسمع قرع نعالهم، فيأتيه ملكان أزرقان، أحدهما يقال له منكر والآخر نكير، فيقولان له: ما كنتَ تقولُ في هذا الرجلِ الذي كان فيكم؟ فيقولُ: هو عبدُ الله ورسولُه، أشهدُ أن لا إله إلا الله وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، فيقولان له: قد كنا نعلمُ أنك تقولُ ذلك، فتنفتحُ له أبوابٌ من الجنةِ فيقالُ له: هذا مقعدُك من الجنةِ، ثم يضيقُ عليه قبرُه حتى تختلفُ فيه أضلاعه.»
ومن هذا الحديث يتضح أن منكر ونكير لا يأتون إلى القبر بشكل عشوائي أو بدون هدف. بل إنهم يأتيان إلى الميت ليختبراه في دينه وأعماله. الأسئلة التي يطرحانها على الميت تتعلق أساسًا بهوية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويُطلب منه الإجابة على سؤال جوهري هو: “من هو هذا الرجل الذي كان فيكم؟”
أسئلة منكر ونكير
الاختبار الذي يمر به الميت في قبره يتركز في سؤالين رئيسيين، هما:
-
من ربك؟
-
ما دينك؟
-
من هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟
تُعتبر إجابات الميت على هذه الأسئلة مفتاحًا لنجاحه في ذلك الامتحان. المسلم الذي ينجح في الإجابة بشكل صحيح على هذه الأسئلة، أي أن يقرَّ بتوحيد الله ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، يعتبر قد اجتاز الاختبار وفتح له باب من الجنة كما جاء في الأحاديث.
أما الميت الذي يجيب إجابات غير صحيحة أو لا ينجح في الاختبار، فيكون مصيره صعبًا ويواجه العذاب في قبره حتى يوم القيامة.
الطبيعة المكانية لزيارة منكر ونكير
من المعروف أن منكر ونكير يزوران كل ميت في قبره بعد موته. وعلى الرغم من أن زيارتهم لا تتوقف على نوعية الميت، فإن وظيفتهما تتغير بحسب إيمان الميت وأعماله في الدنيا. إذا كان الميت صالحًا في الدنيا، فإن اختبار منكر ونكير سيكون سهلاً وهادئًا، مع تبشير بالجنة والطمأنينة. بينما إذا كان الميت كافرًا أو عاصيًا، سيكون الاختبار قاسيًا ويُخشى عليه من العذاب في قبره.
إن فكرة العذاب في القبر من المواضيع التي لها مكانة هامة في التراث الإسلامي، حيث يعد الاختبار الذي يمر به الميت بعد موته مرحلة من مراحل الحساب، التي تمهد لما سيكون في الآخرة.
منكر ونكير في التفسير الإسلامي
العديد من المفسرين والمحدثين قد تناولوها بالشرح. وأحد أهم المواضيع التي تطرقوا إليها هو كيفية استعداد الميت لهذا الامتحان الكبير الذي يمر به بعد موته. من أبرز هذه النقاط هي تأكيد البعض على أهمية الاستعداد في الدنيا للآخرة عبر العبادة والطاعة، لأن الإجابة الصحيحة على أسئلة منكر ونكير تتطلب من المسلم أن يكون مستعدًا قلبًا وعقلاً وعملًا.
في المقابل، استعرض بعض العلماء الفرق بين منكر ونكير وبين غيرهما من الملائكة في الآخرة. إذ أكدوا أن هناك ملائكة أخرى قد تأتي إلى الميت أثناء موته وفي بداية حياتهم البرزخية، ولكن منكر ونكير يشتهران بسؤال الميت عن دينه وإيمانه، الأمر الذي يعتبره البعض اختبارًا نهائيًا على مسار حياة الشخص في الآخرة.
حقيقة العذاب في القبر
في الحديث النبوي، يُذكر أن الميت في قبره قد يتعرض إلى نوع من العذاب في حالة عدم إجابته على أسئلة منكر ونكير بشكل صحيح. وفي بعض الأحاديث، يُقال إن العذاب قد يتمثل في ضيق القبر وظلامه، ويشمل العذاب الجسدي والنفسي، الأمر الذي يعزز مفهوم الحساب في الحياة البرزخية.
من جهة أخرى، وردت في الأحاديث أيضًا بعض التفاصيل التي تبين أن العذاب في القبر لا يتوقف فقط على الأسئلة التي يطرحها منكر ونكير، بل يتعلق أيضًا بالأعمال التي قام بها الميت في الدنيا. فإذا كان قد عمل الصالحات واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه سينعم براحة في قبره، بينما إذا كانت أعماله مليئة بالذنوب أو الشكوك في الدين، فإن القبر يصبح مكانًا ضيقًا وعذابًا.
دور منكر ونكير في الإيمان الإسلامي
على الرغم من أن منكر ونكير لا يشتهران بالظهور العلني أو الطرح الجمالي في النصوص الدينية، إلا أنهما يمثلان أحد المفاهيم الجوهرية في الإيمان الإسلامي المتعلق بالموت والحياة الآخرة. هذه الفكرة تعكس الالتزام باليقين في وجود الحياة بعد الموت، وفي حساب الإنسان على أعماله في الدنيا. كما تعكس أيضًا أهمية العبادة والعمل الصالح في تطهير النفس قبل الوقوف بين يدي الله في الآخرة.
خاتمة
في النهاية، يعد منكر ونكير من الشخصيات الملكية التي تبرز بشكل خاص في الفكر الإسلامي، حيث تجسد عملية الامتحان التي يواجهها كل مسلم بعد موته. من خلال أسئلتهما التي لا محيد عنها حول الإيمان بالله ورسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يتم اختبار المسلم في قبره، ليكون هذا الاختبار نقطة الفصل بين الفلاح أو الخيبة في الآخرة.
